لماذا يتعلم المصريون اللغة العبرية؟ وما علاقتهم بإسرائيل؟

لماذا يتعلم المصريون اللغة العبرية؟ وما علاقتهم بإسرائيل؟


في السنوات الأخيرة، زاد عدد المصريين الذين يتعلمون اللغة العبرية بشكل لافت، سواء في الجامعات أو عبر الإنترنت، مما جعل الكثيرين يتساءلون: لماذا يتجه المصريون لتعلم العبرية؟ وهل هناك علاقة بين دراسة العبرية وإسرائيل؟

هذا الموضوع أصبح محط اهتمام وبحث واسع، خاصة مع حساسية العلاقة بين مصر وإسرائيل، والطابع السياسي والديني والثقافي المرتبط باللغة العبرية. فهل يدرسها المصريون لأسباب مهنية وثقافية؟ أم أن هناك دوافع خفية كما يزعم البعض؟

في هذا المقال، سنستعرض:

  • الأسباب الحقيقية وراء تعلم العبرية في مصر.
  • علاقة دارسي العبرية بإسرائيل من الناحية الواقعية والسياسية.
  • كيف ينظر المجتمع المصري لهؤلاء الدارسين؟
  • وهل هناك مخاطر أمنية حقيقية وراء هذه الظاهرة؟




ما الأسباب التي تدفع المصريين إلى تعلّم اللغة العبرية؟

يتساءل كثيرون عن الدوافع التي تقف وراء تزايد الإقبال على تعلم اللغة العبرية في مصر، لاسيما أنها لغة ارتبطت في الوعي الجمعي العربي بالقضية الفلسطينية والعلاقات المعقدة مع الكيان الصهيوني، أو ما يسمى إسرائيل. ولكن بعيدًا عن الجدل السياسي، هناك عدة أسباب واقعية تجعل كثيرا من المصريين يُقبِلون على دراسة العبرية، منها:

1-   فرص العمل والترجمة: الطلب المتزايد على مترجمين من العبرية إلى العربية في وسائل الإعلام، ومراكز الدراسات السياسية، والمؤسسات البحثية، يشكّل دافعًا مهمًا.

كما أن بعض الخريجين من أقسام اللغات الشرقية يجدون فرص عمل جيدة في مجالات تتطلب إتقان العبرية، مثل الترجمة الفورية، أو تحليل المحتوى، أو حتى في السفارات والمنظمات الدولية.

2-   الاهتمام بالشؤون الإسرائيلية: يُقبل كثير من الباحثين والأكاديميين على تعلم العبرية؛ لفهم الخطاب السياسي والإعلامي الإسرائيلي بلغته الأصلية. وهذا يشمل دراسة الصحف والمواقع العبرية، وتحليل محتواها، بهدف فهم "الآخر" وتكوين رؤية أعمق حول الصراع العربي-الإسرائيلي.

3-   التوسع في مجالات الدراسة والبحث: العديد من طلاب الدراسات العليا في مجالات مثل التاريخ أو العلوم السياسية أو الدراسات الدينية، يجدون في العبرية أداة ضرورية للوصول إلى مصادر أولية ونصوص أصلية لا تتوفر إلا بهذه اللغة، لاسيما في الموضوعات المتعلقة بالتاريخ اليهودي أو الفكر الديني العبري.

4-   حب اللغات والثقافات: لا يمكننا إغفال أن بعض دارسي العبرية —ببساطة— يحبون تعلم اللغات المختلفة، أو يجدون في العبرية تحديًا لغويًا مميزًا، مثل تعلم قواعدها الخاصة وأبجديتها المختلفة، وهو ما يشكّل دافعًا ذاتيًا بعيدًا عن أي بُعد سياسي، لاسيما أنها شقيقة اللغة العربية؛ فتزخر بعدد كبير جدا من الكلمات المتطابقة أو المتشابهة مع اللغة العربية، إضافة إلى الشبه الكبير في قواعدها من اللغة العربية.

5-   التوجّه الإجباري نتيجة تنسيق القبول الجامعي: وأخيرا، لا يمكننا تجاهل فئة كبيرة من طلاب أقسام اللغة العبرية الذين التحقوا بها، ليس بدافع شخصي أو اهتمام حقيقي، بل نتيجة توجيههم من خلال تنسيق القبول في الجامعات المصرية.

ففي ظل نظام القبول الذي يعتمد على المجموع، يجد بعض الطلاب أنفسهم مقيدين بأقسام لا يرغبون بها في الأصل، ومنها قسم اللغة العبرية، سواء في كليات الآداب أو الألسن، أو في أقسام العبرية في جامعة الأزهر. وبينما يحاول بعضهم التكيّف والتفوّق داخل هذا التخصص، فإن آخرين يشعرون بالاغتراب أو الصعوبة، ويظلون يدرسون لغة لم يختاروها بإرادتهم، مما ينعكس على نظرتهم لها وعلى نظرة المجتمع لهم أيضًا.

ونذكر هنا قول مدير المركز الأكاديمي الإسرائيلي عام 2017، جابريئيل روزنباوم، إن هناك نحو 7 آلاف طالب يدرسون العبرية —حينها— في مصر، في 17 جامعة مصرية.

 


كيف ينظر المجتمع المصري إلى دارسي اللغة العبرية؟ بين الريبة والتقدير؟

رغم تنوّع دوافع تعلّم اللغة العبرية في مصر، فإن نظرة المجتمع إلى من يدرسون هذه اللغة لا تزال متباينة، بل ويمكن القول إنها في كثير من الأحيان تتأرجح بين الشك والتقدير، والاحترام والتوجس.

1-   صورة نمطية تربط العبرية بإسرائيل:

لأسباب تاريخية وسياسية ودينية، ارتبطت اللغة العبرية في الوعي الجمعي المصري بـ"العدو الصهيوني"، لاسيما في ظل الصراع العربي–الإسرائيلي.
وهذا الربط جعل كثيرين ينظرون بنوع من الريبة إلى من يتقن العبرية، وقد يصل الأمر أحيانًا إلى توجيه اتهامات ضمنية أو صريحة تتعلق بـ"الولاء" أو "التطبيع"، حتى وإن لم تكن لها أي أساس واقعي.

2-   جهل جماهيري بطبيعة التخصص:

غالبية الناس لا تُدرك أن العبرية تُدرَّس بشكل رسمي في الجامعات المصرية منذ عقود، وأن لها حضورًا أكاديميًا ضمن أقسام اللغات الشرقية. هذا الجهل بطبيعة التخصص يؤدي إلى سوء فهم، يجعل بعض الأفراد يظنون أن من يتعلّم العبرية يفعل ذلك لأسباب سياسية أو استخباراتية، في حين أن الواقع أكاديمي بحت.

3-   احترام لدى بعض الفئات الواعية:

في المقابل، هناك شريحة من المجتمع، خصوصًا بين المثقفين والباحثين، تُقدِّر من يَدرسون العبرية، باعتبارهم يمتلكون أداة مهمة لفهم الخطاب الإسرائيلي، وتحليل سياسات العدو بلُغته، وهو ما يعدونه نوعًا من "معرفة العدو" التي تساهم في خدمة الأمن القومي والفهم الاستراتيجي.

4-   تأثير الإعلام والدين:

تلعب وسائل الإعلام دورًا كبيرًا في تشكيل صورة اللغة العبرية في الوعي الجمعي، فغالبًا ما ترتبط أخبار إسرائيل بمصطلحات ذات طابع سلبي، كما أن الخطاب الديني في بعض الأحيان يُضفي بُعدًا دينيًا على هذه النظرة، مما يزيد من الشك والارتياب تجاه المتخصصين في هذه اللغة. وذلك —بلا شك— "جهل مركَّب" بسبب وجود عدد غفير ممن ينتسبون إلى الإعلام وإلى الخطاب الديني لا يفقهون في كِلا التخصصين: الإعلام والدين؛ فإنه لا شك أن إتقان لغة العدو نقطة تفوق كبيرة إعلاميا، وكذلك فإن الدين الإسلامي قد حض على إتقان لغة العدو عامةً، وإتقان العبرية خاصةً، كما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر زيد بن ثابت رضي الله عنه أن يتعلم لغة اليهود.

 


هل هناك ارتباط فعلي بين دارسي العبرية وإسرائيل؟ تحليل موضوعي للمخاوف الأمنية.

يُثير تعلم اللغة العبرية في مصر كثيرا من التساؤلات والمخاوف، خصوصًا في ظل الأوضاع السياسية والتاريخية المرتبطة بالعلاقات بين مصر وإسرائيل. فهل يقترب دارسو العبرية من أي نوع من الارتباط الفعلي مع (فيما يسمى) الدولة الإسرائيلية؟ وهل يمثل هذا التعلم تهديدًا أمنيًا؟

1-   غياب ارتباط رسمي أو تنظيمي مباشر

لا توجد أدلة أو تقارير موثقة تفيد بوجود تعاون رسمي أو عضوية في مؤسسات إسرائيلية بين دارسي اللغة العبرية في مصر. إن المتعلمين يدرسون العبرية لأغراض أكاديمية أو مهنية، دون أي صلة مباشرة بإسرائيل، والجامعات المصرية تُدرِّس اللغة ضمن برامج أكاديمية ضمن أقسام اللغات الشرقية، وهذا تعليم عادي يُمارس بكل شفافية.

2-   المخاوف الأمنية وتأثيرها في المجتمع

من الناحية الأمنية، هناك مخاوف متكررة في بعض الأوساط حول إمكانية استخدام بعض دارسي العبرية لمهاراتهم في أنشطة استخباراتية أو تجسس. هذه المخاوف ليست جديدة، وترتبط بصورة إسرائيل كدولة استخباراتية متقدمة، خاصة في الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الإسرائيلية. ومع ذلك، فإن أجهزة الأمن المصرية تعتمد على مراقبة صارمة لأي نشاط مشبوه، ولا تتهاون في معالجة أي تهديد حقيقي.

3-   التعلم كأداة دفاعية واستراتيجية

في المجال السياسي والاستخباراتي، تُعَد معرفة لغة الخصم أو العدو أداة بالغة الأهمية لفهم طبيعة الخطاب الإعلامي والسياسي الموجَّه للجمهور المحلي والدولي. وتشير الدراسات الاستخباراتية إلى أن إتقان العبرية يساعد في تحليل البيانات الصادرة من الإعلام الإسرائيلي، مما يمنح الباحثين وصنّاع القرار رؤية أوضح حول السياسات والتوجهات الإسرائيلية. فبدلًا من الاعتماد على الترجمات غير الدقيقة أو التحليلات الثانوية، يتيح فهم اللغة العبرية قراءة النصوص والمقالات والمصادر الأصلية مباشرة، مما يعزز الدقة في تحليل الخطاب وتقييم النوايا السياسية والإعلامية.

إن إدراج متخصصين في العبرية ضمن فرق تحليل السياسات والاستراتيجيات يُعد خطوة حيوية لتعزيز الفهم الاستراتيجي.

4-   غياب الأدلة على وجود "شبكات تجسس" تحت غطاء الدراسة

لم تظهر قط تقارير رسمية أو تحقيقات تثبت وجود شبكات تجسس أو نشاطات استخباراتية ممنهجة تحت مسمى "دارسي اللغة العبرية" في مصر. وإن أي اتهامات من هذا النوع تبقى ضمن نطاق التكهنات أو الشكوك غير المدعومة بأدلة ملموسة، أو حتى قرائن ضعيفة.

5-   التوصيات الأمنية والتوعية

  • على الرغم من غياب أدلة على ارتباطات مشبوهة، فإن التوعية بأهمية حماية المعلومات الحساسة تبقى ضرورة، خصوصًا في التخصصات التي تتعلق بالدول ذات العلاقات السياسية المعقدة.
  • يجب دعم سياسة شفافة في الجامعات والمؤسسات التعليمية تعزز الإشراف والرقابة على البرامج الأكاديمية، دون إعاقة حرية التعلم.
  • تشجيع الدراسات الأكاديمية الموضوعية التي تفصل بين الدراسة اللغوية والأهداف السياسية أو الأمنية، لتخفيف التوترات المجتمعية.

 

خلاصة

بناءً على ما سبق، فإنه لا يوجد ارتباط فعلي وموثق بين دارسي اللغة العبرية في مصر وإسرائيل من الناحية التنظيمية أو السياسية. وإن المخاوف الأمنية، رغم وجودها، لا يمكن تعميمها على كل دارسي اللغة. ومن الأفضل النظر إلى تعلم العبرية كفرصة لفهم أعمق، وليس كمصدر تهديد، مع ضرورة الحفاظ على مراقبة أمنية مناسبة.

0/أضف تعليق